الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.انتقاض كرمان على عضد الدولة. ولما ملك عضد الدولة كرمان كما قلناه اجتمع القفص والبلوص وفيهم أبو سعيد وأولاده واتفقوا على الانتقاض والخلاف واستمد عضد الدولة كورتكين بن حسان بعابد بن علي فسارا في العساكر إلى جيرفت وحاربوا أولئك الخوارج فهزموهم وأثخنوا فيهم وقتلوا من شجعانهم وفيهم ابن لأبي سعيد ثم سار عابد بن علي في طلبهم وأوقع بهم عدة وقائع وأثخن فيهم وانتهى إلى هرمز فملكها واستولى على بلاد التيزومكران وأسر منهم ألف أسيرا حتى استقاموا على الطاعة وإقامة حدود الإسلام ثم سار عائدا إلى طائفة أخرى يعرفون بالحرومية والجاسكية يخيفون السبيل برا وبحرا وكانت قد تقدمت لهم إعانة سليمان بن أبي علي بن إلياس فلما أوقع بهم أثخن فيهم حتى استقاموا على الطاعة وصلحت تلك البلاد مدة ثم عاد البلوص إلى ما كانوا عليه من إخافة السبيل بها فسار عضد الدولة إلى كرمان في القعدة اثنتين وانتهى إلى السيرجان وسرح عابد بن علي في العساكر لاتباعهم فأوغلوا في الهرب ودخلوا إلى مضايق يحسبونها تمنعهم فلما زاحمتهم العساكر كربها آخر ربيع الأول من سنة إحدى وستين وثلثمائة صابروا يوما ثم انهزموا آخره فقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ونساؤهم ولم ينج منهم إلا القليل ثم استأمنوا فأمنوا ونقلوا من تلك الجبال وأنزل عضد الدولة في تلك البلاد أكرة وفلاحين ثم شملوا الأرض بالعمل وتتبع العابد أثر تلك الطوائف حتى بدد شملهم ومحا ما كان من الفساد منهم..عزل أبي الفضل ووزارة ابن بقية. كان أبو الفضل العباس بن الحسين وزيرا لمعز الدولة ولابنه بختيار من بعده وكان سيء التصرف وأحرق في بعض أيامه الكرخ ببغداد فاحترق فيه عشرون ألف انسان وثلثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا ومن الأموال ما لا يحصى وكان الكرخ معروفا بسكنى الشيعة وكان هو يزعم أنه يتعصب لأهل السنة وكان كثير الظلم للرعية غصابا للأموال مفرطا في أمر دينه وكان محمد بن بقية وضيعا في نفسه من الفلاحين في أوانا من ضياع بغداد واتصل ببختيار وكان يتولى الطعام بين يديه ويتولى الطبخ ومنديل الخوان على كتفه فلما ضاقت الأحوال على الوزير أبى الفضل وكثرت مطالبته بالأرزاق والنفقات عزله بختيار وصادره وسائر أصحابه على أموال عظيمة أخذت منهم واستوزر محمد بن بقية فاستقامت أموره ونمت أحواله بتلك الأموال فلما نفدت عاد إلى الظلم ففسدت الأحوال وخربت تلك النواحي وظهر العيارون وتزايد شرهم وفسادهم وعظم الاختلاف بين بختيار والأتراك ومقدمهم يومئذ سبكتكين وتزيادت نفرته ثم سعى ابن بقية في إصلاحه وجاء به إلى بختيار ومعه الأتراك فصالحه بختيار ثم قام غلام ديلمي فرمى وتينه بحربة في يده فأثبته فصاح سبكتكين بغلمانه فأخذوه يظن أنه وضع على قتله وقرره فلم يعترف فبعث إلى بختيار فأمر به فقتل فعظم ارتيابه وأنه إنما قتل حذرا من إفشاء سره فعظمت الفتنة وقصد الديلم قتل سبكتكين ثم أرضاهم بختيار بالمال فسكنوا..استيلاء بختيار على الموصل ثم رجوعه عنها. فلما قبض أبو ثعلب بن ناصر الدولة بن حمدان على أبيه وحبسه واستقل بملك الموصل وعصى عليه إخوته من سائر النواحي غلبهم ولحق أخوه أحمد وإبراهيم ببختيار فاستصرخاه فوعدهما بالمسير معهما وأن يضمن حمدان البلاد ثم أبطأ عليهما فرجع إبراهيم إلى أخيه أبي ثعلب وقارن ذلك وزارة ابن بقية وقصر أبو ثعلب في خطابه فاغرى به بختيار فسار إليه ونزل الموصل وفارقها أبو ثعلب إلى سنجار وأخلاها من الميرة والكتاب والدواوين ثم سار من سنجار إلى بغداد فحاربها ولم يحدث في سوادها حدثا وبعث بختيار إثره العساكر مع ابن بقية والحاجب سبكتكين فدخل ابن بقية بغداد وأقام سبكتكين بجدى وثار العيارون واضطربت الفتنة بين أهل السنة والشيعة وضربوا الأمثال لنشتد على الوزير بحرب الجمل وهذا كله في الجانب الغربي ونزل أبو ثعلب حذاء سبكتكين بجدى واتفقا في سر على خلع الخليفة ونصب غيره والقبض على الوزير وعلى بختيار وتكون الدولة لسبكتكين ويعود أبو ثعلب إلى الموصل ليتمكن من بختيار ثم قصر سبكتكين عن ذلك وخشي سوء المغبة واجتمع به الوزير ابن بقية وصالحوا أبا ثعلب على ضمان أعماله كما كانت وزيادة ثلاثة آلاف كر من الغلة لبختيار وأن يرد على أخيه حمدان أملاكه وأقطاعه إلا ماردين وأرسلوا إلى بختيار بذلك ودخل أبو ثعلب إلى الموصل فلما نزل الموصل وبختيار بالجانب الآخر فنضب أهل الموصل لأبي ثعلب لما نالهم من عسف بختيار فتراسلوا في الصلح ثانيا وسأل أبو ثعلب لقبا سلطانيا وتسليم زوجته ابنة بختيار فأبى ذلك ورحل عنه إلى بغداد وبلغه في طريقه إلى أبا ثعلب قتل مخلفين من أصحاب بختيار فأقام بالكحيل وبعث بالوزير وابن بقية وسبكتكين فجاؤه في العساكر ورجع إلى الموصل وفارقها أبو ثعلب وبعث إلى الوزير كاتبه ابن عرس وصاحبه ابن حوقل معتذرا وحلفا عنه عن العلم بما وقع فاستحكم بينهم صلح آخر وانصرف كل منهم إلى بلده وبعث بختيار إليه زوجته واستقر أمرهما على ذلك.
|